الجمعة، يوليو ٢١، ٢٠٠٦

جيل الضياع

كنت أحادثها ماسنجريا .. وتعجبت أشد العجب حينما أخبرتني بكونها تدرس علم نفس
تعجبت من الدافع الذي قد يدفع فتاة لدراسة مثل ذلك العلم
سألتها ان كانت تدرس لسيجموند فرويد وألفريد أدلر وكيرت ليوين وايفان بافلوف
عن عقد"الدونية" و"أوديب" و"اليكترا" و"الخصاء"و"الماسوشية
توقعت أنها ستندهش بمعرفتي عن دراستها وستسألني أني لي ذلك وأنا أدرس الهندسة الكهربية.. لكنه لم يحدث فزاد اندهاشي أكثر
أغلب ما قابلتهم من فتيات معرفتهم بالعلم ضئيلة وبالسياسة معدومة وبالجغرافيا لا شئ وبالتاريخ صفر وبالأدب لا يتخطوا سلسلة زهور الرومانسية أو سلاسل فلاش وقصص ميكي ماوس المصورة
قد تجذبك أنوثة واحدة أو خفة ظل ثانية أو طفولة ثالثة .. لكن يصعب أن تنجذب لثقافة ونضج رابعة
تلك النماذج التي نشهدها يوميا بالحرم الجامعي وفي كل مكان قد يتقابل فيه الشباب
علما بأن الشباب ليسوا بالأفضل كثيرا
قالوا عن ذلك الجيل "جيل ضائع" وقد أصابوا بشكل كبير في القول
أثناء استضافة هالة سرحان للشباب من أبطال الفيلم السينمائي "أوقات فراغ" أثبتوا كم هو حجم الفراغ رهيب في عقول وألباب الفئة الغالبة من الشباب
بل وكم هي حجم التفاهة الكائنة بيننا
فالاعلامية تسأل احداهن عن الدولة التي يجري بها دجلة والفرات فتجيبها
(السودان)
تندهش هالة فتعلم الفتاة أنها أخطأت فتردف

(لأ لأ الحبشة!!)
شاب أخر من شباب الفيلم تسأله ساخرة عن مكان دارفور ليجيبها بتفاهة
(كارفور عارفه .. اللي في المعادي!!)
أي تفاهة تلك؟
حينما يحاججني زملائي وينفعلوا ويتكالبوا عليّ لقولي أن الوهابيين مسلمين قائلين
(سنة ايه دول شيعة!!)
برأيي من قالوا ذلك أفضل من كثيريين لا يفرقوا بين السنة والشيعة والدروز
اذا أوقفنا شاب ناضج وسألناه عن أسماء فريق فايف أو باك ستريت بويز لأجاب بسرعة البرق ولو سألناه عن مصادر التشريع في الاسلام لتدلي فكه ووقف وقفة حمير
حالنا ليس بمتيسر مثل الغرب والأمريكان لكي لا نهتم بدينا وما يحدث حولنا وفي بلادنا وما هو كائن حول بلادنا
فالأمريكان من أجهل شعوب العالم معرفة بشعوب العالم والسبب هو أن حاجاتهم لا تجعلهم يتخطوا الالمام بجديد الضرائب والبطالة في البلاد
أما نحن فحالنا يختلف كثيرا وكل ما حولنا يدفعنا دفعا للمراقبة والمشاهدة والحذر والتقرب من الله
لكن الأغلب لا يبالي
ما السبب؟
ولم تلك السطحية وذاك الخمول؟
لا أعلم فان علمتم أخبروني رجاءا

الخميس، يوليو ٠٦، ٢٠٠٦

حينما يرقص الجمبري

في حديث توماس فريدمان الي قناة الجزيرة تحدث عن تصريحاته الخاصة بأن الدول العربية متخلفة وأنها علي خريطة العولمة أشبه بمنطقة حواري مظلمة .. وفي حديثه عن أهم مواضع الخلل في العقلية العربية والواقع العربي وهي مصر برأيه .. قال انها لا تستطيع أن تصنع فانوس رمضان وأن الصين هي التي تتولي ذلك .. وحينما لفت مراسل الجزيرة انتباهه الي أن أمريكا نفسها لا تصنع أعلامها وأن الصين هي التي تتولي ذلك جاءت اجابته بأنه "نعم ذلك صحيح لأننا تركنا صناعة الأعلام وشرائح البطاطس وانشغلنا بصناعة شرائح الكمبيوتر"
كانت تلك لافتة أطالعها وزملائي يوميا في باحة قسم الاتصالات بجامعتنا
وقسم الاتصالات لمن لا يعلم هو أرقي أقسام الهندسة اذ يهتم بتكنولوجيا الاتصالات والكمبيوتر والشبكات المعقدة منها قبل البسيطة .. وعلي هذا فأمثالنا هم المهتم الأول بأي حديث عن شرائح الكمبيوتر
مثل تلك اللافتة يصر أساتذتنا الجامعيين علي وضعها في قلب اللوحة الاعلانية أملا في استثارة حمية طلبتهم لبلادهم .. وأعتقد أنه كان لهم المراد فجميعنا يحفظها عن ظهر قلب وجميعنا استثارهم رأي فريدمان خاصة ان كانوا علي علم مسبق وعلي قراءة سابقة لكتابات وتصريحات الأمريكي الصهيوني الأول في أمريكا.. لكن هل يكفي ذلك؟
------
كثيرا ما يقصدني زملاء الدراسة ويبادروني"هل سمعت يا رامي عما جري بفلسطين أو العراق الخ من قضايا اقليمية أوقومية أو دينية"حتي جاء يوم سألني فيه أحدهم سؤال مقتضبا للغاية
"متي نتغير؟"
أجبته باجابة أكثر عجبا واقتضابا"جينما يرقص الجمبري!!"
ابتسمت لأجل علامات العجب البادية علي وجهه وشرحت له مسألة رقص الجمبري
في زيارة لخروشوف الي الولايات المتحدة أراد أحد الصحفيين استفزازه فسأله "متي ينحل الاتحاد السوفيتي ويتخلي عن شيوعيته؟
"أجابهم"حينما يرقص الجمبري علي أنغام موسيقاكم المنحلة"
لذا فقضية رقص الجمبري ليست ضربا من ضروب المستحيل كما بدا الأمر لأول وهلة فقد انهار الاتحاد السوفيتي بالفعل وتقسم عام 1991وتحققت المعجزة
فهل يمكن لنا أن نتغير برقص الجمبري؟
أولي اجابات أسئلتنا أنه نعم
-----
اختارت ادارة الجامعة في القريب احدي زميلات الصف كطالبة مثالية وبعد عودتها من لقاء جمعها بعميد الجامعة ورؤساء الأقسام وأحد كبار رجالات الأعمال أخبرتني أن الأخير سألها :هل يمكن لمصر أن تصنع في يوم من الأيام "موبايل" كامل؟
أقسمت له أنه نعم .. وأمام حيرة الرجل أكملت "نحن فقط بحاجة لمن يغامر بماله ويثق بقدرة أبناء بلده"
بدت وكأنها تنتظر مني التعليق فوافقتها بأن حديثها صحيح مائة بالمائة لكن انعدام الثقة وحده ليس بالسبب الوحيد في تخلفنا
-----
في أثناء مطالعتي لجريدة الأهرام تحديدا بريد القراء قبل عدة شهور وجدت مقال لأحد القراء كتب فيه عن رأيه ببعد أغلب الباحثيين المصريين بخيالهم عن الحاجات والأولويات البحثية المصرية فنحن لا نحتاج لمركبة الفضاء مثلما نحتاج لرغيف الخبزضحكت كثيرا علي رأي الرجل وأنا أعلم أنه لا يعرف الا القليل ومعرفته القليلة جعلته يسئ الظن بباحثي بلاده وعلمائها ويظن أن المشكلة تكمن في نوعية الأبحاث وحدهافالرجل ولا لوم عليه لم يسمع بالتأكيد عن العالم المصري الذي نجع في استزراع المحاصيل الاستراتيجية(القمح والذرة) في الأراضي الملحية وعن حديثه المتفائل عن امكانية استزراع أراضي البحار الملحية باستخدام صوبات بحرية بعد نجاح تجاربه وحديثه عن عدم وجود دعم
أو عن رواد الهندسة الوراثية في مصر والمشهود لهم علي مستوي العالم ونجاحهم في تجارب خاصة باستهجان محاصيل عملاقة أو تحسين انتاجية الألبان من الأبقار الي الأضعاف
كذلك لم يسمع عن عالم الفلك المصري الدكتور أسامة الباز في ناسا وما أشرف عليه من مشاريع فيها
أو عن حقيقة البرنامج النووي المصري وكون مصر من أولي الدول التي بدأت فيه بالمنطقة عام 1955 ولم يؤخرها عنه الا السياسات المتتابعة
عن الدكتور يحي المشد والدكتورعلي مشرفة والدكتورة سميرة موسي وحقيقة اقترابهم وتمكنهم من تصنيع القنبلة النووية وعن دور الموساد مع كل منهم
أوعن "الهيئة العربية للتصنيع" وحقيقة كونها كانت تصنع صواريخ مصرية في زمن عبد الناصر وحقيقة تصنيعها لصناديق البريد في زمن الساداتعن مئات الأبحاث العسكرية حبيسة الأدراج في الوزارات وألاف المشاريع عالية التقنية المجمدة لأجل ذات السياسات الداخلية أيضا
عن قصص مخابرات دول جنوب شرق أسيا مع العلماء العسكريين المصريين
عن كمية الأبحاث المصرية غير المحمية وغير المعمول بها والتي تسني للغرب بذلك سرقتها ونسبها الي أسمائهمعن عمداء مصريين لكبار جامعات كندا وعن أساتذة محاضرين في جامعات أوربا
لماذا لا نتحدث الا عن علماء انتهوا بانتهاء الخلافة الاسلامية من قرون ولا نذكر أيا من هؤلاء الأبطال ولا نعطيهم أو أبحاثهم أي حق؟
-----
كان لي معيد وصديق في ذات الوقت يدرس لي .. ترك الجامعة تفرغا لأبحاثه وعلمت منه فيما بعد عن اقترابه من كشف علمي ممتاز ورغم ذلك أراه حزين وغير متحمسحينما سألته عن السبب أجبني أن تكنولوجيا بحثه ستفيد كثيرا في المجال العسكري وهو علي يقين أن بلده لن تستفيد منه واذا ما تمكن من انهائه فهو لن يذهب الا للغرب بكل تأكيد
وقد حدث ذلك بالفعل مع أقران له عرفتهم وعلمت بهجرتهم فيما بعد الي كندا وأوربا وأمريكا
-----
لي صديق أخر تخرج من جامعتي وسافر الي ألمانيا ودرس علي يد كبار أساتذتها وله أبحاث هناك .. عمل بكبار شركاتها التكنولوجية ثم عاد الي مصر والي التدريس بذات الجامعةأخبرته أنه من الممكن لنا اتمام العديد من المشاريع الخاصة بدراستنا ستوفرعلي بلادنا المليارات لكني تسائلت لماذا دوما نتوقف عند مرحلة التصنيع واذا أردنا طرق أبوابها فلماذا تتم دوما عبر المصانع الغربية
نظر لي نظرة أسف ورد "انها سياسة البلاد والخوف من الهواجس الأمريكية"
-----
تحدثت ذات يوم الي رجل درَس في جامعات كندا وأمريكا قبل أن يقدم للتدريس لنا وسألته ان كان هناك فرق بيننا وبين طلبته الكنديين والأمريكيين ..
فاجئني بأنه لا فرق بل ان كفة الاستيعاب والذكاء عندنا أعلي
لا أخفي عليكم لازلت لا أصدقه
-----
الحق أن مصر تملك الكثير ولا أعتقد أن بلادنا العربية والاسلامية تختلف كثيرا عنها لذا فالتكنولوجيا بعيدة عن اليد لكنها ليست بعيدة عن متناول العقل .. لكن الي متي سنخشي من الغول الأمريكي اذا أحس باقترابنا من تحقيق شئ ما؟
أو استشعر يوما عزمنا علي التخلص من ترتيبنا كدولة نامية الي ترتيب أفضل ؟
ولماذا لا نجد الداعم والواثق بامكانية أبناء بلادنا؟
ألم يحن الوقت بعد ليكرر الجمبري رقصته من أجلنا؟